أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

أخر الاخبار

متحف الباوهاوس البرليني

متاحف

متحف الباوهاوس البرليني 


تعميق البعد الاجتماعي الواقعي للفن. 

"الباوهاوس " مدرسة ألمانية للفنون والحرف، تطور فيها مذهب جمالي يحمل اسمها، كان له تأثير كبير على مسار الفنون الحديثة والمعاصرة في العالم بأسره طوال القرن العشرين، على الرغم من العمر القصير لهذه المدرسة، التي تأسست عام 1919م، وأقفلت بقرار من السلطات النازية عام 1933 م، ولم يبق منها إلى يومنا هذا غير متحف. 

نرى الفنون الجميلة في جميع ما نستخدمه أو نتذوقه في الحياة، فالإنسان بطبيعته يميل إلى كل ما هو جميل ومتناسق ومنسجم، وعلى سبيل المثال لا الحصر: تصميم وطباعة المنسوجات، وأغلفة المنتجات الصناعية، والأثاث المنزلي، وفن العمارة، والزخرفة، وتصميم المجوهرات والحلي، وفن الإعلان، وغيرها من الفنون الجميلة الأخرى، التي من الممكن أن ننظمها بحيث تنقسم إلى عدة فروع، من نحت، وتصوير، وزخرفة، وفنون تطبيقية. فما الرابط بين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، وكيف يتمثل الجمال واقعيا، إنها فكرة مدرسة " الباوهاوس" من هنا تبدأ الحكاية. 
ينتصب البناء أمام عينك جسما غريبا بزواياه القائمة وجدرانه الزجاجية ومسطحاته الثلاثة. 

تشعر بالمفاهيم الجديدة للعمارة، كالواجهات المعدنية والزجاجية التي تدلت كستائر، تلاحظ غياب المسطحات المستمرة في الهيكل الإنشائي للمبنى. 

اللافت ان أول نظرة عامة من الخارج إلى متحف " الباوهاوس " في العاصمة الألمانية برلين هو جدلية الارتباط بين " البناء - الفكرة " بين أداة العرض وموضوع العرض. حيث إن تصميم المبنى الخارجي للمتحف، يرتبط ارتباطا وثيقا بمضمون المتحف نفسه، إذ إن البناء الخارجي للمتحف علاوة على أنه مكان للعرض، فهو من نفس الوقت، تحفة فنية معروضة، ومرد هذا التقارب بين العارض والمعروض، هو أن الباوهاوس مدرسة بناء فنية شهيرة. 

مسيرة متقطعة. 

تأسست مدرسة " الباوهاوس BAUHAUS " الـ Bau تعنى بالألمانية " بناء " Haus تعني " بيت “في مدينة فايمر الألمانية عام 1919م، من قبل المهندس المعماري الألماني والترغروبيوس. 

وانتقلت المدرسة إلى مدينة " ديساو " عام 1925 م، ثم عادت لتفتتح في برلين عام 1932م. ولكن ما لبث أن تم إغلاق المدرسة من قبل قائد الحزب القومي الاشتراكي الألماني النازي أدولف هتلر، بحجة أنها تضيع الثقافة الألمانية المحلية على حساب العالمية. وتعد هذه المدرسة من المؤسسات التعليمية الأكثر حداثة في القرن العشرين. 

غروبيوس نفسه ولد في برلين عام 1883م، وكان والده مهندسا معماريا حكوميا. أما عمه مارتن غروبيوس، تلميذ المهندس المعماري الشهير كارل فريدريس شينكل، فهو الذي صمم المتحف المشهور الذي يحمل اسمه في برلين. 

ولكن قبل تأسيسه لمدرسة الباوهاوس بزمن طويل رسم جروبيوس الخطوط العامة للفن المعماري وكان آنذاك واحدا من أبرز المهندسين المعماريين، او كما يطلق عليه بلغة اليوم " مهندس المشاهير " 

عند الدخول إلى المتحف، تجد مقولة مؤسس المدرسة والتر غروبيوس مكتوبة باللغتين الالمانية والإنجليزية " المعماريون والمثاليون والرسامون، يجب أن يعودوا إلى أصالة الحرف التقليدية، ويبحثوا عن المعنى الفني المطلق من خلال تلك الروائع الفنية التي تركتها هذه الحرف، الحرفة صيرورة المبدع، والمبدع صيرورة الحرفة، وعلينا جميعا أن نعمل لبناء المستقبل الذي يجمع العمارة والفنون في لحمة واحدة ... 

كما نجد تحقيب المدرسة إلى أربع فترات أساسية: 

  • المرحلة الأولى 1919-1932 م 
  • المرحلة الثانية 1923-1924م 
  • المرحلة الثالثة 1926-1928 م 
  • المرحلة الرابعة 1928-1933 م 

يتألف المتحف من طابقين. في الطابق الأول ثلاثة أقسام رئيسة، القسم الخاص بالباوهاوس كاتجاه في الفن تشكيلي، والقسم الخاص بالباوهاوس كمدرسة بناء معمارية وصناعية، والقسم الخاص بأرشيف الباوهاوس من فنانين تشكيليين ومهندسي عمارة. في الطابق الثاني هناك المقهى والمكتبة والمتجر، الذي يتم من خلاله شراء بعض القطع التذكارية والأفلام الوثائقية والكتب. 

الفن للجميع واليوميات. 

في هذا القسم ، نلاحظ بشكل واضح الرسالة الاجتماعية الواضحة للمدرسة كمؤسسة اجتماعية لحظة انطلاقها في مدينة فايمر ، ألا وهي المزج بين الفنون الجمالية المجردة وبين الواقع العياني المباشر للناس ، بين التعليم والإنتاج ، أي جعل الفن مفيدا بشكل ملموس للناس ، وربط المعرفة الجمالية بالفائدة الاجتماعية والاقتصادية اليومية ، وهذا أمر مفهوم ، حيث إن الطلاب الداخلين إلى مدرسة الباوهاوس ، كانوا يتعلمون إلى جانب الفنون الجميلية ، حرفا يدوية كالتجارة والطباعة والدهان وتعشيق الزجاج ، حياكة السجاد ، والتعامل مع المعادن .. ,ذلك في محاولة لكسر جدار الغرور بين الحرفة والفن، فنجد مثلا في هذا القسم من المتحف، تصاميم لغرف نوم منزلية، صالات جلوس، والأبنية كبيرة ولقطع اثاث منزلية (مقاعد جلوس بكافة أشكالها طاولات..) والأواني المطبخية، ولمصابيح منزلية، بنيت على طراز مدرسة الباوهاوس، حيث الخلط بين الفن، والهندسة المعمارية، والديكور الخارجي، والتصميم. وتتميز التصاميم هذه بالصراحة والوضوح وسهولة الفهم، وبالمراعاة الدقيقة لوقت البناء والتكلفة الاقتصادية، ونفقات اليد العاملة والدقة في استخدام مواد البناء المستخدمة، واقتصاد الفراغ المأخوذ من الفضاء، كـ " كرسي برشلونة " للمعماري والمصمم فان دير روهي " آخر مديري الباوهاوس). أما المفروشات والتجهيزات، فتتميز بالجمال والمتانة والعملية، في حين المباني السكنية يلاحظ فيها التشابه والتوحد، وغياب السطوح المستمرة والمتصلة، وعدم وجود محور واحد للبناء، علما أن مدرسة الباوهاوس هي أو لمن ابتكر فكرة البناء مسبق الصنع، والنماذج السكنية الموحدة، وذلك من اجل تشكيل لغة معمارية عالمية موحدة، والتأسيس لعمل معماري إنساني جماعي يتميز بالعطاء الديمقراطي المتجدد. ونلاحظ في هذا القسم أيضا، فيديوهات تعرض الكيفية التي يتم فيها تعليم الطلاب في مدرسة الباوهاوس على الاسترخاء الجسدي والهدوء النفسي، وذلك من أجل التحرير من الضغوط النفسية، وبالتالي تعميق الإدراك الحسي وتفجير الإبداع. 

عقلانية صناعية فنية. 

الوجهة الفنية في مدرسة الباوهاوس تعتمد على ثلاثة أمور أساسية كما نستشف من الصور: التكلفة الاقتصادية المعقولة، والفائدة الاجتماعية القصوى، والقيمة الفنية الجمالية. 

وهذا هو أساس العقلانية الصناعية الأوروبية الحديثة، هنا يصبح الفن ليس فقط في متناول الجميع كما تقول المقولة الشهيرة، بل مفيدا للجميع. 

الفراشة ، المستطيل ، الحوارات ، السمات اللونية ، التجريدي ،
ويستخلص الزائر في القسم التشكيلي من المعرض ، ملاحظات عامة عن بعض الملامح الأساسية في مدرسة الباوهاوس الفنية ، وهي بشكل أساسي التبسيط الهندسي للوجود ، والاعتماد على المركزية في اللوحة ، وتظيف الفراغ ، أي إعادة كل مخلوقات الطبيعة إلى العناصر الهندسية الأولية ، بحيث يكون تراكب هذه الأشكال الهندسية ، وتشابكها مع بعضها بعضا ، وهي المربع والمثلث والمستطيل والدائرة ، قادرا على إيضاح معنى الدلالة الوجودية الواقعية للشيء الموصوف ، فالفراشة مثلا يعبر عنها بتشابك هندسي دقيق بين المستطيلات والمربعات والدوائر والخطوط ، طبعا مع استخدام الألوان الأساسية وهي الأصفر والأحمر والأزرق ، الألوان قبل حالة المزج . كما يشاهد الاتكاء على الخط الهندسي المستقيم، وهذا الخط يقوم بمهمة حجز المساحات الهندسية المتناظرة واللامتناظرة التي ستحمل السمات اللونية، والحوارات الداخلية للعمل التشكيلي المؤلفة بتناغم أحيانا، والمتناقضة في أحيان أخرى. وهذا التبسيط التجريدي هو تطوير للمدرستين التكعيبية والتعبيرية. ويصب أيضا في مساعي الربط بين الشكل والوظيفة. فلان الأشكال الهندسية لها وظيفة في الحياة اليومية، فإن إعادة أي " شكل " إلى عناصره الهندسية هو محاولة إيجاد " وظيفة " له. 

ونجد أعمال المؤسسين الأوائل في المدرسة، وهم مثلا، الرسام الروسي فاسيلي كاندينسكي، والرسام الفرنسي بول كلي، صحاب المقولة الشهيرة: " الإنصات إلى اللون بواسطة العين " ومصمم المسارح الألماني أوسكار شلايمر، والفنان والمصور المجري موهولي ناجي. كما نجد أيضا اعمال مختلفة لـ ألبرز آني، جوزيف ألبيرز، وباير لهربت، غوتل هيرمان، والتر غروبوس، أدولف ماير، ديكمان إريك، لينديغ أوتو، سلوتزكي نعوم وغيرهم. 

عن الإغلاق والهجرة. 

في قسم الأرشيف، نجد فلما وثائقيا عند بداية تشكيل المدرسة، وكيفية إغلاقها من قبل السلطات النازية آنذاك، وهجرة غالبية مؤسسيها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصا مؤسس المدرسة والتر غروبيوس، الذي ساهم في تشييد كثير من المباني في الولايات المتحدة الأمريكية، كبرجي التجارة العالمية. 

النازيين ، ميوعة ، انجليز ، هارفارد ، الولاات المتحدة ، الأوروبي .
أحلام جروبيوس هذه تحطمت على يد النازيين، الذين كانت تستهويهم قيم القوة والضخامة والجبروت، معتبرين أن المزج الذي يقوم به جروبيوس وزملاؤه من الفنانين، ليس أكثر من مجرد ميوعة اجتماعية. وكانوا يرون أن هذه الميوعة تؤدي إلى استنزاف المجتمع الألماني في صناعات سخيفة لا طائل منها، ولا تود إلى أي انتصار. لذا فقد قرروا إغلاق مدرسة الباوهاوس. وف عام 1928م استقال جروبيوس من منصبه مديرا لكلية باوهاوس وعاد لممارسة العمل الخاص في برلين، ثم هرب إلى إنجلترا عندما استولى النازيون على السلطة في ألمانيا عام 1934م. واستقر في الولايات المتحدة عام 1937 م، وعمل رئيسا لشعبة المعمار بجامعة هارفارد عام 1938 م وحتى عام 1952م. ومن خلال هذا المنصب نشر غروبيوس عديدا من النظريات حول المعمار الأوروبي الحديث في جميع أنحاء الولايات المتحدة. 

فقد كان تعميق البعد الاجتماعي الواقعي للفن، والدمج بين الدادائية والتكعيبية، وتفضيل العقل الجماعي على المركزية الفردية، من أهم ثمار مدرسة الباوهاوس. ولا يزال لهذه المدرسة تأثير قوي على كل مدارس الفن المعاصر، ونشاهد ذلك عند كثير من الفنانين الذين يحاولون إتقان الحرف اليدوية تماشيا مع اتجاه هذه المدرسة. 

بعد الخروج من المتحف والمشي في شوارع برلين تحسن بأثير مدرسة الباوهاوس على كل مكان، تدرك معاني الابنية واسباب الأشكال المعمارية، إنها فعلا الفكرة التي نزلت على الواقع، الفكرة التي غيرت العالم. 


المصدر: مجلة القافلة. 2015 
©حقوق الطبع والنشر لأصحابها. 
Al3
بواسطة : Al3
الخير والسلام لكل العالم .
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -