أقسام الوصول السريع ( مربع البحث )

أخر الاخبار

الإهمال والقسوة

الأهمال والقسوة .
 الإهمال والقسوة

كتب المحلل النفـسـي ouse de Lioyd :"إن تاريخ الطفولة كابوس بدأنـا أخيرا فقط نفلت من قبضته" ولقد استغرق ذلك الكابوس - والذي مثل فيه الإهمال والقسوة عنوانا لتعامل الكبار مع الأطفال. وفي الحقب المـاضـيـة يضربون بانتظام ووحشية، إلى حد الوصول بحياتهم إلى شفا الموت. كما أن ضرب الطفل لم يكن يتم سرا; فقد تعرض الأطفال للضرب علنا وعمدا، في حجرات الدرس، وردهات المنازل، وأمام جمـهـور الأقـارب والأصدقاء، حيثما وحينما دعت الحاجة.

وكان إرهاب الأطفال ممارسة شائعة يوما ما. وعلى سبيل المثال، شـاع لدى الآباء في القرن السابع عشر إحضـار صـغـارهـم مـن الأبـنـاء والـبـنـات لمشاهدة عمليات الشنق وتنفيذ الإعدام العلنية من أجل إكراههم بالترهيب على الطاعة والإذعان. ومنذ أقدم الأزمنة المعروفة كان الأطفال يتعرضون للتخويف من خلال قصص الساحرات والوحوش، التي تنتظـر كـي تـنـقـض عليهم إذا أساءوا السلوك أو التصرف. وعلى الرغم من أن آثار هذه الممارسة لاتزال موجودة اليوم في بعض الحكايات الشعبية والأساطير، فإن قصص الرعب التي نشأت منها هذه الحكايات والأساطير كانت تعرض تصويـريـا ومسرحيا، إلى حد أن مدونات الـتـاريـخ تـسـجـل وقـائـع عـن أطـفـال صـغـار تعرضوا للتخويف حرفيا حتى الموت.

وكان التضور جوعا والحرمان من الطعام أيضا وسيلتين أخريين شائعتين للسيطرة على سلوك الأطفال (ولاتزالان باقيتين في صيغ مثل «لا حلوى إن لم تسلك سلوكا حسنا»). وفوق ذلك، أتيـح ذات يـوم لـلآبـاء الـبـاحـثـين عـن الراحة من تصرفات الأطفال الصغار الطبيعية الحـصـول عـلـى مـجـمـوعـة كبيرة متنوعة من المسكنات وعقاقير خفض حيوية الأطفال، والتي حمـلـت تسميات مثل «مساعد الأم» و«بركة الأم». وكانت تلك الجرعات فعالـة فـي كبت النشاط الطبيعي للطفل والتخلص من المتاعب التي قد تسببـهـا هـذه النشاطات للأب أو الأم أو القائم على رعاية الطفل، وذلك لاحتوائها على ما يكفي من اللودنوم أو الكوكايين أو الأفيون لجعـل الـطـفـل الصغير سلبيا إن لم يفقده وعيه كلية.

مما لاريب فيه أنه لم يتم حتى اليوم التخلص من سوء معاملة الأطفال ولا يزال عدد كبير من "الأطفال الذين تعرضوا للضرب العـنـيـف المـتـكـرر" والصغـار الـذيـن أسـيـئـت مـعـامـلـتـهـم عـلـى نـحـو مـؤلـم، يـفـدون إلـى عـنـابـر المستشفيات والوكالات العامة ومن ثم إلى اهتمام الجمهـور الـعـام. ويـــظـل قدر لا بأس به من العنف ضد الأطفال متواريـا خـلـف الجـدران الأسـريـة. ومهما يكن فإن المعاملة الوحشية والعنيفة للأطفال تعد اليوم انحرافا يعرض فاعله لعقوبات جنائية حقيقية. ويعتبر ضرب الأطفال أو تجويعهم أو ترويعهم عموما أساليب تعامل تستحق اللوم والتوبيخ، على الرغم من أن بعض الآباء لا يزالون يلجأون إليها. لكن هذه الممارسات كانت لاتزال طبيعية ومقبولـة حتى مائة سنة خلت فقط

إن غالبية الآباء اليوم تمنعهم ضمائرهم من إنزال الألم البدني أو العقلي بأطفالهم الصغار، فكيف، إذن، استطاع الآباء فيما مضى معاملة أطفالهم بهذه الطريقة دون إحساس بالذنب أو الندم؟ إن الإجابة واضحة: لم يـكـن في إمكان أي شيء باستثناء تغيير عالمي في الوعي بطبيعة الأطفال والطفولة، أن يؤدي إلى انقلاب في التفكير بهذا الحجم إلى حد أن ذلك السلوك الذي كان ذات يوم شائعا ومقبولا، صار شريرا بل مرضيا.

ويكمن العامل المساعد الحاسم في تغيير التفكير على هذا النـحـو فـي الوعي الجديد بالحاجات الخاصة للأطفال الصغار، وهي حاجات لابد من تـمييزها عن حاجات الآباء. ذلك أنه من غير هذا الوعي كان الآباء يتصرفون كما يروق لهم نحو الأطفال بشتى الطرق التـي تـؤكـد حـاجـاتـهـم الخـاصـة، ويستخدمون أساليب تنشئة للطفل لمجرد أنها فعالة ومؤثرة، بغض الـنـظـر عن تأثيراتها المحتملة في نمو الطفل. ولم يتسن إجبار الآباء علـى تـعـديـل سلوكهم نحو أطفالهم ووقف معـانـاة الأطـفـال، إلا بـعـد أن بـدأوا يـعـتـبـرون الطفل مخلوقا له حاجات خاصة، وبعد أن شرعوا يفهمون هذه الحاجـات ويفرقون بينها وبين حاجاتهم هم.

ومن دون هذا الإدراك الذهني بوجود شيء خاص ومختلف عن طبيعة وحاجات الطفل، غالبا ما اعتبر الأب في الماضي السلوك «الطفولي» الذي يصدر عن الطفل بصورة طبيعية مظهرا لميوله الخاصة غير المرغوب فيها.

وعن طريق ضرب الطفل أو إرهابه كان في إمكان الآباء التعـامـل مـن دون قيد مع خصوماتهم الخاصة، وإخفاقاتهم، ومخاوفهم، ورغباتهم الخـفـيـة.

ولم يشعروا بأي ذنب أو ندم بسبب قسوتهم تجاه الطفل، لأن الطفل لم يكن موجودا في الواقع ــ بل كان مجرد تجسيد للحاجات الداخلية للآباء.

إن أحد الأمثلة على هذا الإسقاط الوالدي نجده في حادثة من حوادث التاريخ الأمريكي. فحينما سقطت طفلة القس والمؤلف الأمريكي المعـروف كوتون مازر في النار وتعرضت لحروق خطيرة، صرخ أبـوهـا: «واحـسـرتـاه،. فاعتقاد الأب أنه “بسبب خطاياي يلقي الرب العادل طفلتي في الـنـار!» كان الشخص الذي يعاني في هذه الحالة وليس الطفلة الصغيرة، وافتقاره للتعاطف مع معاناة الطفلة (إن لم نقل افتقاره للندم بسبب الإهمال الـذي أدى إلى وقوع حادثة كهذه)، يوضح أنه نظر إلى طفلته في ضـوء مـخـتـلـف تـاما عن الضوء الذي ينظر به الآباء اليوم إلى أطفالهم.



المصدر: الأطفال والإدمان التلفزيوني - تأليف: ماري أين، تأليف: عبد الفتاح الصبحي.
©حقوق الطبع والنشر لأصحابها.
Al3
بواسطة : Al3
الخير والسلام لكل العالم .
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -